بوجهه المكشوف وفمه الأعوج وآثار الطعنات أدار ظهرَه للمدينة تستقبل رذاذ مطرٍ أسود كالحبر. الحبر الذي يغمس به ياوز قصبته خاطًّا بها شهواته بخطٍّ عربيٍّ أنيق ليرتقي في الروح وفي القتل معًا؛ هو ذاته الذي كان دواة حبرٍ يغمس فيها الرجالُ أوتادهم ويُفرغون فيها شهواتهم.
يقتل ياوز أباه مراتٍ ومرّاتٍ قبل أن يعثر عليه ميّتًا دون أن يقتله.
هي رواية القدر الدّامي المُسَمّم الذي نصنعه بأيدينا، رواية الحياة بوصفها سعيًا عبثيًّا لقتل الأب، ونفاقًا أبديًّا لا ينتهى إلا بخلع اللثام.
في الكتابة نظامٌ رمزيٌّ نميّزه بواسطة التعارض الأساسيّ المضاعف بين الغياب والحضور؛ ثمة حضورٌ خلاّقٌ في حبر الكتابة يمتزج بغيابٍ قاتلٍ في الحبر ذاته؛ الحبر المسموم.
لا غياب في الواقعيّ. هناك غياب فقط حيث توحي إلى احتمال وجود الحضور حيث لا وجود له. العالم في "ميرنامة" حضورٌ يصنعه الغياب.
ينتقل ياوز، من طور "اللاّشيء"/ الأداة/ الهارب السلبيّ... إلى طور الفعل عبر تعلم الكتابة. لا الكتابة التأليفيّة الدلالية، بل الكتابة بوصفها خطًّا وحسب؛ بوصفها نظامًا رمزيًّا لا يُفصح إلا بقدر ما يسكت. الرمز يُستخدم للدلالة على غياب الشيء، بينما الدّلالات موجودة بمقدار ما تتعارض مع دلالات أخرى.
بموجب التّضمين المتبادل للغياب والحضور في حبر ياوز، فإن الغياب قادرٌ أن يُفصح عن نفسه وجوداً إيجابيًّا متساوياً مع الحاضر. هنا يصير "اللاّشيء" هو عينه ذاتًا.
هذا فصل المثلّم، من رواية ميرنامة للروائي جان دوست