يُعَدّ الجَسدُ أحد أهمّ ركائز الكتابة الأدبيّة، فعليه تُبنى فرضيّات وتُهدَم فرضيّات، ومن خلاله تُقرأ أوهام المجتمعات وعقائده، وفيه أيضًا يعادُ تشييدُ الزمان والمكان في فضاء الجسد عاريًا ومفضوحًا ومنتهكًا، أو مكتملاً ومحجوبًا ومصانًا.
في هذا النصّ، ثمّة تناولٌ للجسد الميّت واستكشاف للطّاقة الحيّة التي يصدّرها عبر موته للأحياء، وانتهاكٌ لمفهوم الحياء والخجل. الجسد، بقسمه السّفليّ، الميّت هو العنصرُ الحيّ الوحيد الذي يستقبلُ أجسادَ زائريه واحدًا واحدًا، ليمارسَ تماما ما كان يمارسهُ في حياته ونبضه. يرسم القاصّ نبيل قديش هذه النيكروفيليا ببرودٍ وميكانيكيّة سرديّة لا عاطفة فيها، على نحو يحاكي فيه الفعلَ نفسه: عشق الجسد الميّت والرغبة في مواقعته، ليصبحَ السّرد حالةَ صمتٍ مطبق يتستّر هو أيضًا على الفعل.
في نصّ لبوكوفسكي بعنوان "مواقعة حوريّة البحر في فينيسيا" يتناوبُ صديقان على مواقعة جثة امرأة جميلة ويتحوّل فعل خطف الجسد وانتهاكه إلى مهرجان من الفرح والعشق في حوار كلّه ضوضاء يبدّد حالة الخوف والحياء. في حالةٍ شبيهةٍ هنا، يتحوّل انتهاكُ الجسد الجميل الميّت إلى مهرجان من الصّمت والآليّة و "تُسمع آهة ذكورية طويلة يسود على إثرها سكون عميق". إلى أن يختفي الجسد الهامد في سيارة الإسعاف.
على عكس بوكوفسكي، يقفُ الفعلُ هنا تعبيرًا عن فكرٍ عنيف وعدائيّ لمفهوم الجسد، الجسد الأنثويّ، الجسد الأنثويّ الحيّ في موته. مكانٌ لإفراغ غريزة جنسيّة بهيميّة في منتصف الليل تماما. هو الجسد المباح لامرأة أصابها الجنون. هنا، يتركنا الكاتب مع هذه الطاقات لمفهومَي الحيّ والميّت ومفارقات العلويّ والسفليّ.