كنتُ، لا أتذكّر، كانت، أتذكّر، هبطت، حلمت، زارتني، قالت، لا أعرف.
هكذا يفتتحُ الروائيّ العراقيّ كل فقرة من فقرات هذا النصّ، أفعال هلاميّة تترنّح بين الذاكرة والحلم والقول واللا معرفة. اللا هذه، لا أتذكر، لا أعرف، تجرحنا وتنفثُ سردَ القسوة في روحِ نصّ كان من الممكنِ أن يكونَ مائعًا وشرسًا ومحيّرًا يسيلُ في قصّة حبّ تأخذنا إلى دهاليز لوليتا وهامبرت.
لكن لا.
فهذه الفتاة مجرّد طقسٍ عائمٍ في الغموض والغبش. لا هوية تؤطّرها، لا تقرأ، لكنّها حاضرة، لا وزن لها، لكنّها ثقيلة، تماما كبطلات بوكوفسكي القذرات، الجميلات، يُعِدنَ ترتيب مفهوم الجمال والقبح ويُنسّقنَ الغموضَ والغبش كما يحلو للسارد تنسيقه وتقديمه دون أن نعرف حقيقةً جوهر السّبب، فهو، السارد، يعرف ولا يعرف، يتذكّر ولا يتذكّر. لا شيء يقينيّ تماما مثل صورة هذه البطلة ومثل الرّغبة المعطّلة تجاهها، الرغبة أو الشّبق الذي لا يسير في اتجاهٍ واضح، ولا يصلُ إلى نهاية، سوى نهاية التذكّر، انقطاعه فجأة تماما كانقطاع صورة هامبرت وصورة لوليتا عن أذهاننا.
على عجلٍ يسرد السارد، على عجلٍ تظهر الجميلة البذيئة وعلى عجلٍ تنتهي الحكاية: فتاة طيّبة ضائعة. أو قارىء سيّء لماركس.